مقال سعادة السفير لجريدة الصباح التونسية: الملاحم التونسية

مرة أخرى يؤكد التونسيون صحة ما يصفهم به العالم من أنهم من أذكى الشعوب وأكثرها تحضرا .. اثبتوا ذلك برسمهم لملاحم عديدة آخرها ما حصل يوم الخميس 27 جوان الفارط؛ الذي لم يكن صباحه عاديا حيث استفاقوا على خبر تفجيرين إرهابيين غادرين في العاصمة تلاهما خبر آخر عن تعرض فخامة الرئيس الباجي قايد السبسي أطال الله عمره إلى وعكة صحية انتهت بسلام والحمد لله.

 

حدثان خطيران كانا يمكن لهما أن يدخلا أي بلد في حالة من الارتباك إلا أن تونس وشعبها أكدوا أنهم محصنون ضد الفوضى فتماسكوا وامتصوا تداعيات الحدثين وما خلفاه من صدمة بسرعة قياسية ليهب الجميع للوقوف مع بلادهم والعمل بأقصى سرعة للحفاظ على تماسكها .. المواطنون لم يعتريهم أي شعور بالخوف وعادت الحياة إلى نبضها العادي بأسرع ما يكون ليوجهوا رسالة إلى الإرهابيين أن تونس لا تخاف  وان شعبها أقوى منهم ومن مؤامراتهم وان كل تونسي على استعداد لبذل النفس قبل النفيس لصيانة تونس وصونها من أي اعتداء آثم.

 

رغم جسامة الحدثين وبالمناسبة نترحم على روح الشهيدين اللذين صعدت روحاهما الى خالقهما راضيتين مرضيتين إن شاء الله ونرجو الشفاء العاجل للجرحى كما نرجو أن يمن الله على فخامة الرئيس الباجي قايد السبسي رجل الحكمة والرصانة بموفور العافية  فان ما يلفت الانتباه وما هو في الحقيقة بغريب عن تونس وشعبها أن ردة الفعل سواء من المواطنين أو من الحكومة أو من الأحزاب وكل منظمات المجتمع المدني تميّزت بسرعة ضبط النفس وتجنب السقوط في فخ الارتباك والفوضى وهو أول أهداف الإرهابيين الذين تجرعوا مرة أخرى مرارة الهزيمة والخذلان على ارض الخضراء .. 

 

كل التونسيين تمسكوا بمؤسسات الدولة وبددوا المخاوف متوكلين على الله ثم معتمدين على دستور أبهر العالم ومنعوا دخول البلاد في أزمة وسارع كل من موقعه إلى إزالة آثار الإرهاب وتواصلت كل أنشطة الحياة بنسقها المعتاد فلم تلغ مهرجانات ولم يتأجل الإعلان عن نتائج الباكالوريا وتواصل تدفق السياح. 

 

وأثبتت الأحزاب أنها كلها مؤمنة بان التداول السلمي على السلطة يتم عبر الانتخابات فقط وأنها ستكون في في موعدها  وظهر بالدليل الساطع ان التجربة الديمقراطية في تونس ترسّخت أقدامها  بفضل الوحدة الوطنية والمسارعة الى رص الصفوف لتوجه تونس «رسالة» جديدة للعالم بأن جدار تونس منيع وهو ما يزيد من شدة احترام الجميع لهذا الشعب الشقيق.

 

 وبعد هذا لا بد لي من الادلاء بشهادة مهمة لكل العالم وهي أن تونس آمنة لأن شعبها قرر ذلك منذ زمن وأن تونس رسخت نظامها الديمقراطي وامتدت جذوره في الأرض ولا يمكن لأي جهة مهما كانت اقتلاع هذه النبتة المباركة التي اثمرت صمودا خياليا في وجه كل الصعوبات.

 

اليوم أقف بكل حب لأقول باسمي وباسم دولة قطر أننا معجبون بهذا النموذج حكاما ومواطنين وذلك يزيدنا عزما على توطيد هذه الشراكة بين دولتينا وشعبينا الشقيقين.